╣☼╠ اللقاء المدهش..! ╣☼╠

0


 

نهضت الأم منكسرة وضعت عباءتها المرصعة باليأس وبين يديها ابنها الوحيد

وفي فكرها ذكريات والده الراحل ، والخوف والغموض والفقر .

تتحرك الأزمنة في مكان نهوضها و هي هنا على حافة النار و الجرح ، تسمع الخطى من زمانها تمر على شكل موجات صوتية آتية من أذغال الوجد 

يمر شبح و بعده شبح آخر ، و تتشكل الأشباح حكايات .فيأتي المسافر الجديد بالحبال ، يأتي شاردا و في جعبته بقايا أمل و فرح . و سناء تتأهب للسفر ، كانت وحيدة في رحلتها

و معها ابنها الوحيد . تلم شتات ذاكرتها و تقف حائرة تحاول أن ترصد الإتجاه ، هي تكتب الحكاية بعين مخيلتها ، تكتب حكاية سناء الأرملة .

خرجت قاصدة بلدتها ، هناك حيث مسقط رأسها و التي لم تزرها منذ تزوجها و من هنا كانت بداية قصة حبها مع المرحوم زوجها ، هي الآن كالثعالب حين تموت

  غالبا ما تيمم وجوهها نحو عرين ولادتها . قصدت السيدة سناء السوق الأسبوعي المجاور هناك حيث ستستقل الحافلة في اتجاه بلدتها 

بين أزقة السوق حكايا مجتمع و اقتصاد و كدح . الرئيس و التاجر و المؤذن و المثقفون و الجمعيات و الأحزاب و البسطاء و النصابون و الكادحون

كلهم لا يعرفون حكاية الأرملة سناء و لا واقع نهارها المختلط بالليل ، كلهم لا يعرفون رغم ما يتحملونه من مسؤولية ، كلهم مشغولون بقضاياهم الخاصة .

الشاوش يستنكر غلاء البطاطيس و الطماطم المستخدمون يناضلون بوقفاتهم الإحتجاجية من أجل خبز يابس و ربما من أجل توفير حد أدنى لسد الرمق

  السيد النقابي يقتات من دفاعه المزيف عن الطبقة العاملة و المسحوقة .السيد النائب يبحث عن خادمة لتساعد زوجته الموظفة .  و السيد الوزير

 و الصحافي الموالي له ينددان بالأساتذة و الممرضين و الأطباء لكثرة احتجاجاتهم .

و مقدم الحي يشتم جريدة المعارضة التي تنشر مسابقة الديكة و الكلاب و تهتم بالدعاية للمثليين و تخلت عن نشر أخبار الوطن .

و أمام خيمة بائع الزيوت جَمعُُ من النساء و هن يتحدثن عن غلاء المعيشة، و عن مسلسلات البطلة التركية التي تعرضها التلفزة  هذه الأيام .

 

 في الزقاق الآخر سيد و سيدة يتلامسان في خضم زحام بشري جارف و يتبادلان النظرات رغم عدم تعارفهما .

و هناك في مكان مخصص لأصحاب الحلقة الشعبية تجمهر على شكل دائري نفر من المتسوقين و هم يتابعون حكواتي و هو يسرد

 قصة سيدنا يوسف تارة و أخرى قصة سيدنا إبراهيم فيوقف حكيه من أجل جمع دريهمات ، كان المشهد يلخص حياة مجتمع بأكملها .

  أما السيدة سناء كانت تمر متفرسة في وجوه كل هؤلاء و تحمل بين ذراعيها إبنها الوحيد و في قلبها أحزان السنين

و هي تبكي في صمت و هدوء مصابها الجلل و ما تخبئه لها الأيام . ركبت إحدى الحافلات المتجهة صوب بلدتها و في الطريق عاشت لحظات استذكار

و ذكريات قديمة / جديدة .تعلم جيدا أن ما تبقي لها في بلدتها هي أمها و أخوها عبدالله ذاك الرجل الأربعيني ، و تمنت أن تجدهما على خير

  لقد اشتاقت اليهما كثيرا ، في الطريق أعادت شريط حياتها بتلك البلدة فتذكرت المرحوم أبيها فأجهشت بالبكاء ، ذرفت دموعا حارقة للقلب

 و الوجدان و هي تعيد صور والدها الحنون الذي سقاها نخب حب أبوي لن تنساها  كان لها نعم الصديق و نعم الرفيق بل نعم الأب حماها من كل مكائد الزمان

 و علمها كيف تحافظ على أنوثتها مهما تكالبت عليها الظروف و الأزمان .

  كان لها مدرسة فعلمها أبجدية الحياة ، بل كان لها حصنها المنيع الذي يقيها من كل الهزات الإجتماعية و النفسية فوفر لها بذلك الأمن و الأمان ، و مع هذه الذكريات

كانت دموعها تنهمر كسيل جارف و طفلها يبحلق في عينيها و هو لا يعلم ما تحمله الأم المكلومة .

بعد لحظات تقدمت سيدة ثلاثينية مغيرة مكانها و جلست قربها ، فقالت لها :

- أنا أميمة ، بالله عليك أختي لقد آلمت دواخلي و حطمت قلبي و أنا أراقب دموعك المنهمرة ما بك ؟

أجابتها :

- دعيني أختي فأنا أحترق .

قالت :

- إرحمي نفسك بل إرحمي هذا الطفل الذي يتابع أحزانك في صمت .هل فعلها بك الرجل ؟

أجابتها بعد أن سحبت  نفسا طويلا ثم تنهدت :

و ماذا بيدك أن تفعليه لأجلي أو لأجل هذا الطفل

قالت :

أختاه نحن بشر و حالتك هذه تستدعي المؤازرة ، بل نحن مسلمون و المسلم ينبغي أن يكون لأخيه المسلم أفضل معين ، و لا تدري ربما أحمل اليك البشرى التي انتظرتيها طويلا

أجابتها : 

أي بشرى تنظرها شابة مثلي في مقتبل العمر فترملت ، فقدت زوجها ، فقدت أباها ، فقدت حصنها المنيع و ملاذها  .

قالت :

تلك مشيئة الرحمن ، و لست الأولى و لن تكوني الأخيرة ، أغلبهن ( النساء ) يعشن قصصا مماثلة ، لكن إذا تسلحن بطريق الله و تعاليمه نجون و إذا تزحزحن عنها هلكن

و كان مصيرهن البؤس و الأحزان و الضنك.

أجابتها قائلة بعد أن تنهدت تنهيدة ملؤها الرجاء :

و نعم بالله .

فأحست بقبس من نور يداهم تلك الظلمة التي عاشت أطوارها ثم حكت لها حكايتها من ألفها الى يائها و الحافلة تمخر عباب التضاريس الوعرة 

و تزحف بين منعرجات ذاك الطريق الجبلي . 

فجأة أطلت قريتها بوجهها الصبوح فصاحت أميمة ها نحن على مشارف البلدة إستعدي للنزول و اعلمي أنك ستنزلين الليلة ضيفة عندي .

أسرت سناء على ترك صديقتها أميمة الى يوم آخر و ستزورها فطلبت منها عنوانها . انتبهت سناء أن هذا العنوان لا يبعد عن سكنى أمها فأكدت لأميمة ذلك .

نزلا من الحافلة و مشيا جنبا الى جنب في نفس الطريق .

سناء : أنت بنت دربي إذن 

اميمة : أنا من بلاد الغربة صادفت زوجي أول مرة عند دخول أسرتي هذه القرية فتزوجنا

سناء :

سأكون سعيدة بزيارتك قريبا إن شاء الله ، و اعلمي حبيبتي أنك أصيلة و بنت أصول لقد كنتِ رحمة نزلت على قلبي من السماء في وقت أظلمت الدنيا أمامي .

 تابعا طريقها في حوارهما الشيق فكانت المفاجأة كبيرة حين استوقفهما رجل أربعيني فحيى أميمة بتحية حارة ، و حين وقع بصره على سناء و وقع بصر سناء عليه اندهشا

فصرخت سناء : أخي عبدالله 

ثم ارتمت في أحضانه و تعانقا طويلا و دمعت عيناهما معا ، أخبرها بوفاة الوالدة ، و أخبرته بوفاة زوجها ، كان العتاب متبادلا بينهما على عدم إيصال الرحم بينهما

كل هذا تحت أنظار أميمة و هي تبكي في ذهول هذا اللقاء المدهش..! . ( انتهى )

No comments:

Post a Comment

جميع الحقوق محفوظه © kisas

تصميم الورشه